وراء تفكيك "حزب الله": عقود من استخبارات إسرائيلية
حتى اللحظات الأخيرة قبل اغتياله، لم يكن حسن نصر الله يعتقد أنّ إسرائيل ستُقدِم على قتله. بينما كان يتحصّن داخل حصن تابع لـ»حزب الله» على عمق 40 قدماً تحت الأرض في 27 أيلول، حَثّه مساعدوه على الانتقال إلى مكان أكثر أماناً. إلّا أنّه رفض ذلك، وفقاً للمعلومات الاستخباراتية التي جمعتها إسرائيل وشاركتها لاحقاً مع حلفائها الغربيّين. فقد كان يرى أنّ إسرائيل ليست مهتمة بخوض حرب شاملة. لكن ما لم يدركه هو أنّ وكالات التجسّس الإسرائيلية كانت تتبع كل تحرّكاته - وقد كانت تفعل ذلك لسنوات.
بعد فترة وجيزة، أسقطت طائرات F-15 الإسرائيلية آلاف الأرطال من المتفجّرات، ما أدّى إلى تدمير الملجأ بانفجار دفنَ نصر الله وقادة «حزب الله» الآخرين. وفي اليوم التالي، عُثر على جثة نصر الله في وضع العناق مع جنرال إيراني رفيع المستوى كان مُقيماً في لبنان. ووفقاً للمعلومات الاستخباراتية، توفّيَ الرجلان اختناقًاً.
مقتل زعيم «حزب الله» المرهوب، الذي قاد الميليشيا اللبنانية لعقود في صراعها ضدّ الدولة الإسرائيلية، كان تتويجاً لهجوم استمرّ أسبوعَين. ودمجت الحملة بين التكنولوجيا السرّية المتقدّمة والقوة العسكرية العنيفة، بما في ذلك تفجير عبوات ناسفة مخبّأة في آلاف أجهزة النداء اللاسلكي وأجهزة الاتصال التي يستخدمها «حزب الله»، إلى جانب قصف جوي مكثّف استهدف تدمير آلاف الصواريخ والقذائف القادرة على ضرب إسرائيل.
كانت هذه الحملة أيضاً نتيجة لعقود من العمل الاستخباراتي المنهجي استعداداً لحرب شاملة كان يُتوقع اندلاعها في نهاية المطاف. ويكشف تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، استناداً إلى مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً إسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً حاليّين وسابقين، تحدّثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة العمليات السرّية، إلى أي مدى اخترقت أجهزة التجسس الإسرائيلية «حزب الله». جنّدوا أشخاصاً لزرع أجهزة استماع في مخابئ «حزب الله»، وتتبّعوا لقاءات أحد القادة البارزين مع عشيقاته الـ4، وكان لديهم رؤية شبه دائمة لتحرّكات قادة الميليشيا.
إنّها قصة مليئة بالإنجازات، كما حدث في عام 2012 عندما سرقت وحدة 8200 الإسرائيلية - المعادل الوطني لوكالة الأمن القومي الأميركية - كنزاً من المعلومات، بما في ذلك تفاصيل عن مخابئ القادة السرّية وترسانة المجموعة من الصواريخ والقذائف. لكنّها شهدت أيضاً إخفاقات، مثل ما حدث في أواخر عام 2023 عندما أصبح فني تابع لـ»حزب الله» مشبوهاً بشأن البطاريات في أجهزة الاتصال اللاسلكي.
وكانت هناك لحظات إنقاذ جهودهم، كما حدث في أيلول، عندما جمعت وحدة 8200 معلومات تفيد بأنّ عناصر «حزب الله» كانوا قلقين بما يَكفي حيال أجهزة النداء، فأرسِل بعضها إلى إيران للفحص.
وخشية من انكشاف العملية، أقنع كبار مسؤولي الاستخبارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعطاء الأمر بتفجيرها، ما أدّى إلى الحملة التي بلغت ذروتها باغتيال نصر الله.
دمّرت إسرائيل «حزب الله» بشكل كبير، محققةً انتصاراً بالغ الأهمية لدولة عانت قبل عام واحد من أكبر فشل استخباراتي في تاريخها، عندما اجتاح مقاتلون بقيادة «حماس» أراضيها في 7 تشرين الأول 2023، ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص وأسر 250 آخرين.
كانت الحملة ضدّ «حزب الله» جزءاً من حرب أوسع أودت بحياة الآلاف في لبنان وشرّدت أكثر من مليون شخص، ممّا أضعف أحد أكبر خصوم إسرائيل ووجّه ضربة لاستراتيجية إيران الإقليمية التي تعتمد على تسليح وتمويل الجماعات شبه العسكرية المناهضة لإسرائيل. وأدّى إضعاف المحوَر الذي تقوده إيران إلى إعادة تشكيل الديناميكيات في الشرق الأوسط، وساهم في سقوط نظام الأسد في سوريا.
ويبرز التناقض بين نهج إسرائيل تجاه «حزب الله» و»حماس» بشكل صارخ ومُدمِّر. يُظهِر التركيز الاستخباراتي المكثّف على «حزب الله» أنّ قادة إسرائيل اعتقدوا أنّ الميليشيا اللبنانية كانت التهديد الأكثر إلحاحاً. ومع ذلك، كانت «حماس» في قطاع غزة - وهي مجموعة اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أنّها لا تمتلك النية أو القدرة على مهاجمة إسرائيل - هي مَن شنّ الهجوم المفاجئ الذي أخذ الأمة على حين غرّة.
كانت إسرائيل في مواجهة مع نصر الله وقادة «حزب الله» لعقود، وخَلُصَت التقييمات الاستخباراتية الإسرائيلية إلى أنّه سيستغرق سنوات، وربما أكثر من عقد، حتى يتمكن الحزب من إعادة البناء بعد مقتل قادته، لأنّ المجموعة القيادية الحالية لديها خبرة قتالية أقل بكثير من الجيل السابق.
مع ذلك، فإنّ القادة الجدُد، مثل مؤسّسي «حزب الله»، مَدفوعون بمبدأ أساسي: الصراع مع إسرائيل.
وأوضح اللواء شمعون شابيرا، السكرتير العسكري السابق لنتنياهو ومؤلف كتاب «حزب الله: بين إيران ولبنان»، أنّه «لا يمكن لحزب الله الاستمرار في الحصول على الدعم والتمويل من إيران من دون أن يكون في حالة حرب مع إسرائيل. هذا هو السبب الأساسي لوجوده. سيُعيدون التسلح والبناء. إنّها مسألة وقت فقط».
كانت حرب عام 2006 بين إسرائيل و»حزب الله» مأزقاً دموياً. انسحبت إسرائيل من لبنان بعد 34 يوماً من القتال، الذي بدأ بعد أن اختطف «حزب الله» وقتل جنديَّين إسرائيليَّين. كانت الحرب، التي لم تحقق أهداف إسرائيل، بمثابة إذلال، ما أدّى إلى لجنة تحقيق واستقالات كبار الجنرالات ومراجعة داخل الجهاز الأمني الإسرائيلي بشأن جودة استخباراته.
لكنّ العمليات التي نُفّذت خلال الحرب، استناداً إلى جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، شكّلت الأساس لنهج البلاد اللاحق. وزرعت إحدى العمليات أجهزة تتبّع على صواريخ «فجر» التابعة لـ»حزب الله»، ممّا أعطى إسرائيل معلومات عن الذخائر المخزّنة داخل قواعد عسكرية سرّية ومنشآت تخزين مدنية ومنازل خاصة، وفقاً لـ3 مسؤولين إسرائيليّين سابقين. في حرب 2006، قصف سلاح الجو الإسرائيلي المواقع ودمّر الصواريخ.
في السنوات التي تلت الحرب، عرض نصر الله ثقة بأنّ «حزب الله» يمكنه الفوز في أي صراع جديد مع إسرائيل، مشبّهاً الدولة الإسرائيلية بشبكة عنكبوتية - مهدّدة من بعيد لكن يمكن التخلص منها بسهولة.
بينما كان «حزب الله» يُعيد البناء، وسّع الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، شبكة مصادر بشرية داخل الميليشيا، وفقاً لـ10 مسؤولين أميركيّين وإسرائيليّين سابقين وحاليّين.
على وجه التحديد، جنّد الموساد أفراداً في لبنان لمساعدة «حزب الله» في بناء منشآت سرّية بعد الحرب. وقدّمت مصادر الموساد لإسرائيل معلومات عن مواقع المخابئ وساعدت في مراقبتها، بحسب ما ذكر مسؤولان.
وعموماً، شاركت إسرائيل معلومات استخبارية عن «حزب الله» مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيّين.
وجاءت لحظة حاسمة في عام 2012، عندما حصلت وحدة 8200 على كنز من المعلومات حول المواقع الدقيقة لقادة «حزب الله» ومخابئهم وبطاريات الصواريخ والقذائف التابعة للمجموعة، وفقاً لـ5 مسؤولين دفاعيّين إسرائيليّين وأوروبيّين حاليين وسابقين.
رفع هذا النجاح الثقة داخل وكالات الاستخبارات الإسرائيلية بأنّه - في حال نفّذ نتنياهو تهديداته بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية - يمكن للجيش الإسرائيلي تقليص قدرة «حزب الله» على الردّ.
زار نتنياهو مقر وحدة 8200 في تل أبيب بعد العملية. وخلال الزيارة، طبع قائد الوحدة المعلومات، ممّا أسفر عن كومة كبيرة من الأوراق، وتوجّه لنتنياهو، وهو يقف بجانب المواد: «يمكنك الآن مهاجمة إيران،» وفقاً لمسؤولين دفاعيّين إسرائيليّين حاليّين وسابقين. لكنّ إسرائيل لم تهاجم.
في السنوات التالية، عَمِلت وكالات التجسس الإسرائيلية على تحسين المعلومات الاستخباراتية التي جُمعت سابقاً لإنتاج معلومات يمكن استخدامها في حالة نشوب حرب مع «حزب الله».
وفقاً لمسؤولين دفاعيّين إسرائيليّين، عندما انتهت حرب 2006، كانت لدى إسرائيل «ملفات أهداف» تشمل أقل من 200 قائد وموقع تخزين أسلحة ومواقع صواريخ تابعة لـ»حزب الله». وبحلول الوقت الذي شنّت فيه إسرائيل حملتها في أيلول، كانت الملفات تضمّ عشرات الآلاف.
من أجل الحصول على ميزة في حرب محتملة مع «حزب الله»، طوّرت إسرائيل أيضاً خططاً لتخريب الميليشيا من الداخل. دعمت وحدة 8200 والموساد خطة لتزويد «حزب الله» بأجهزة مفخّخة يمكن تفجيرها في وقت لاحق، وفقاً لـ6 مسؤولين حاليّين وسابقين في الدفاع الإسرائيلي.
في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، كانت تُعرف هذه الأجهزة باسم «الأزرار» التي يمكن تفعيلها في الوقت الذي تختاره إسرائيل. كان تصميم وإنتاج هذه الأزرار أمراً بسيطاً نسبياً، إذ اتقن المهندسون الإسرائيليّون وضع متفجّرات PETN داخل بطاريات الأجهزة الإلكترونية، وتحويلها إلى قنابل صغيرة.
وكانت العملية الأكثر صعوبة من نصيب الموساد، الذي خدع المجموعة على مدى ما يقرب من عقد من الزمن لشراء معدات عسكرية وأجهزة اتصالات من شركات وهمية إسرائيلية.
في عام 2014، اغتنمت إسرائيل فرصة عندما توقفت شركة التكنولوجيا اليابانية iCOM عن إنتاج أجهزة الاتصال اللاسلكي IC-V82 الشهيرة. كانت هذه الأجهزة، التي جُمِّعت في الأصل في أوساكا باليابان، شائعة جداً لدرجة أنّ النسخ المقلّدة منها كانت تُصنع في جميع أنحاء آسيا وتُباع في المنتديات عبر الإنترنت وفي السوق السوداء.
اكتشفت وحدة 8200 أنّ «حزب الله» كان يبحث تحديداً عن الجهاز عينه لتجهيز جميع قوّاته الأمامية، وفقاً لـ7 مسؤولين إسرائيليّين وأوروبيّين. بل إنّهم صمّموا سترة خاصة لقوّاتهم بجيب صدري مصمّم خصيصاً لهذا الجهاز.
بدأت إسرائيل في تصنيع نسخها الخاصة من أجهزة الاتصال اللاسلكي مع تعديلات طفيفة، بما في ذلك تعبئة مواد متفجّرة في بطارياتها، وفقاً لـ8 مسؤولين إسرائيليّين وأميركيّين حاليّين وسابقين. وصلت أولى النسخ الإسرائيلية الصنع إلى لبنان في عام 2015 — وشُحِن أكثر من 15,000 جهاز في النهاية، وفقاً لبعض المسؤولين.
في عام 2018، صاغت ضابطة استخبارات إسرائيلية في الموساد خطة لاستخدام تقنية مماثلة لإدخال مواد متفجّرة في بطارية جهاز نداء. راجع قادة الاستخبارات الإسرائيلية الخطة، لكنّهم قرّروا أنّ استخدام «حزب الله» لأجهزة النداء لم يكن واسع الانتشار بما يكفي، وفقاً لـ3 مسؤولين، فعُلِّقت الخطة.
على مدى السنوات الثلاث التالية، أدّى تزايد قدرة إسرائيل على اختراق الهواتف المحمولة إلى جعل «حزب الله» وإيران وحلفائهما أكثر حذراً من استخدام الهواتف الذكية. وساعد ضباط إسرائيليّون من وحدة 8200 في تأجيج هذا الخوف، إذ استخدموا روبوتات على وسائل التواصل الاجتماعي لدفع تقارير إخبارية باللغة العربية حول قدرة إسرائيل على اختراق الهواتف، وفقاً لضابطين في الوكالة.
وتجنباً من تعرّض الهواتف الذكية إلى الاختراق، قرّرت قيادة «حزب الله» توسيع استخدامها لأجهزة النداء. سمحت هذه الأجهزة لهم بإرسال رسائل إلى المقاتلين من دون الكشف عن بيانات الموقع أو وجود كاميرات وميكروفونات يمكن اختراقها.
مع توسع الاستخدام، بدأ «حزب الله» في البحث عن أجهزة نداء متينة بما يكفي لتحمّل ظروف القتال، وفقاً لـ8 مسؤولين إسرائيليّين حاليّين وسابقين. أعاد ضباط الاستخبارات الإسرائيليّون النظر في عملية أجهزة النداء، وعملوا على بناء شبكة من الشركات الوهمية لإخفاء أصولهم وبيع المنتجات إلى الميليشيا.
استهدفت الاستخبارات الإسرائيلية العلامة التجارية التايوانية Gold Apollo، المعروفة جيداً بأجهزة النداء.
في أيار 2022، سُجِّلت شركة تسمّى BAC Consulting في بودابست. وبعد شهر واحد، سُجِّلت شركة تسمّى Norta Global Ltd في صوفيا، بلغاريا، باسم مواطن نرويجي يُدعى رينسون خوسيه.
اشترت BAC Consulting اتفاقية ترخيص من Gold Apollo لتصنيع نموذج جديد من أجهزة النداء يُعرف باسم AR-924 Rugged. كان هذا النموذج أكبر حجماً من أجهزة النداء الحالية من Gold Apollo، لكنّه رُوِّج على أنّه مقاوم للماء وبعمر بطارية أطول من أجهزة المنافسين. أشرف الموساد على إنتاج أجهزة النداء في إسرائيل، وفقاً لمسؤولين إسرائيليّين. ومن خلال وسطاء، بدأ عملاء الموساد في تسويق الأجهزة لمشترين من «حزب الله» وعرضوا سعراً مخفضاً للشراء بالجملة.
قدّم الموساد الجهاز، الذي لم يكن يحتوي على أي متفجّرات مخفية، إلى نتنياهو خلال اجتماع في آذار 2023، وفقاً لشخصَين على دراية بالاجتماع. شكّك رئيس الوزراء في متانتها، وسأل ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، عن مدى سهولة كسرها. طمأنه بارنيا بأنّها قوية.
غير مقتنع، وقف نتنياهو فجأة وألقى الجهاز على جدار مكتبه. تشقّق الجدار، لكنّ جهاز النداء لم ينكسر. وشحنت الشركة الوهمية التابعة للموساد أول دفعة من أجهزة النداء إلى «حزب الله» في ذلك الخريف.
لم تكن عملية أجهزة النداء مكتملة تماماً في تشرين الأول 2023، عندما أشعلت الهجمات التي قادتها «حماس» نقاشاً حاداً داخل الحكومة الإسرائيلية حول ما إذا كان يجب على إسرائيل شنّ حرب شاملة ضدّ «حزب الله».
جادل البعض، بمَن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، بضرورة توجيه ضربة لـ«حزب الله»، الذي بدأ بإطلاق الصواريخ على إسرائيل في 8 تشرين الأول تضامناً مع «حماس». ورأى أنّها فرصة للتعامل مع «العدو الصعب حزب الله» قبل الالتفات إلى «العدو الأقل صعوبة حماس»، وفقاً لـ5 مسؤولين إسرائيليّين مطّلعين على الاجتماعات.
بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس بايدن في 11 تشرين الأول 2023، قرّر نتنياهو، إلى جانب حكومته الحربية المشكّلة حديثاً، في الوقت الحالي عدم فتح جبهة أخرى مع «حزب الله»، ممّا أنهى فعلياً النقاش رفيع المستوى حول الموضوع لأشهر.
حتى مع تركيز إسرائيل على «حماس»، واصل المسؤولون العسكريّون والاستخباراتيّون تحسين الخطط لحرب محتملة مع «حزب الله».
اكتشف محللو الاستخبارات الإسرائيليّون، الذين كانوا يراقبون استخدام الأجهزة باستمرار، مشكلة محتملة في العملية. بدأ أحد فنيّي «حزب الله» يشكّ في أنّ أجهزة الاتصال اللاسلكي قد تحتوي على متفجّرات مخفية، وفقاً لـ3 مسؤولين دفاعيّين إسرائيليّين. تعاملت إسرائيل مع الأمر بسرعة هذا العام، فقتلت الفني بضربة جوية.
على مدار ما يقرب من عام، أجرت الاستخبارات الإسرائيلية وسلاح الجو أيضاً حوالى 40 مناورة حرب تركّزت على قتل نصر الله وقادة كبار آخرين في «حزب الله»، وفقاً لمسؤولين إسرائيليّين. أرادوا أن يكونوا قادرين على استهدافهم في الوقت عينه، حتى لو لم يكونوا في المكان عينه.
جمعت إسرائيل أيضاً تفاصيل روتينية وحميمة عن قادة «حزب الله»، بما في ذلك هويات العشيقات الـ4 لفؤاد شكر، أحد مؤسسي «حزب الله» الذي حدّدته الحكومة الأميركية منذ فترة طويلة كأحد مخطّطي تفجير ثكنات بيروت عام 1983 الذي أسفر عن مقتل 241 من مشاة البحرية الأميركية.
في وقت ما من هذا العام، شعر شكر على ما يبدو بعدم الارتياح بشأن وضعه، وطلب مساعدة أعلى رجل دين في «حزب الله» للزواج من النساء الـ4، وفقاً لمسؤولين إسرائيليّين ومسؤول أوروبي. فرتّب رجل الدين، هاشم صفي الدين، 4 حفلات زفاف عبر الهاتف لشكر.
تصاعد الصراع هذا الصيف، عندما أسفر هجوم صاروخي لـ»حزب الله» في تموز عن مقتل 12 إسرائيلياً، بينهم أطفال مدارس، في مجدل شمس، وهي بلدة في مرتفعات الجولان.
وردّت إسرائيل بعد أيام بضربة جوية في بيروت قتلت شكر. كانت خطوة استفزازية، لاغتيال قائد رفيع المستوى في قوات «حزب الله».
بعد الهجمات المتبادلة، تجدّد النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية حول فتح «جبهة شمالية» ضدّ «حزب الله». وضع الجيش الإسرائيلي والموساد استراتيجيات مختلفة لحملة ضدّ «حزب الله»، وفقاً لـ 4 مسؤولين إسرائيليّين.
في أواخر آب، كتب بارنيا، رئيس الموساد، رسالة سرّية إلى نتنياهو، وفقاً لمسؤول دفاعي إسرائيلي كبير. دعت الرسالة إلى حملة تستمر من أسبوعَين إلى 3 أسابيع، تشمل القضاء على أكثر من نصف قدرات الصواريخ الخاصة بالجماعة وتدمير المنشآت الواقعة على بُعد حوالى 6 أميال من الحدود الإسرائيلية. في الوقت عينه، بدأ مسؤولون عسكريّون كبار جهودهم الخاصة للضغط على نتنياهو لتكثيف الحملة ضدّ «حزب الله».
أربكت معلومات استخباراتية جديدة التخطيط. أصبح عناصر «حزب الله» مرتابين من احتمال أن تكون أجهزة الاستدعاء قد خُرِّبت، وفقاً لعدد من المسؤولين.
في 11 أيلول، أظهرت المعلومات الاستخباراتية أنّ «حزب الله» كان يُرسل بعض أجهزة الاستدعاء إلى إيران للفحص، وعَلِم المسؤولون الإسرائيليّون أنّه كان مجرّد مسألة وقت قبل أن تُكشف العملية السرّية.
في 16 أيلول، اجتمع نتنياهو مع كبار قادة الأمن للنظر في تفجير أجهزة الاستدعاء في عملية «استخدمه أو افقده»، وفقاً لـ 4 مسؤولين أمنيّين إسرائيليّين. عارض البعض ذلك، قائلين إنّه قد يؤدّي إلى هجوم مضاد كامل من «حزب الله» وربما ضربة من إيران.
أمر نتنياهو بتنفيذ العملية. في اليوم التالي، في الساعة 3:30 مساءً بالتوقيت المحلي، أمر الموساد بإرسال رسالة مشفّرة إلى الآلاف من أجهزة الاستدعاء. وبعد ثوانٍ، انفجرت الأجهزة.
في وقت انفجار الأجهزة، كان خوسيه، النرويجي الذي كان يرأس إحدى الشركات الواجهة التابعة للموساد، يحضر مؤتمراً تكنولوجياً في بوسطن. وفي غضون أيام، حُدِّدت هوية خوسيه في مقالات إخبارية كمشارك في العملية، وأعلنت الحكومة النروجية أنّها تريده أن يعود إلى النرويج للاستجواب.
مارس المسؤولون الإسرائيليّون ضغطاً سرياً على إدارة بايدن لضمان مغادرة خوسيه الولايات المتحدة من دون العودة إلى النروج، وفقاً لمسؤول إسرائيلي وآخر أميركي.
رفض المسؤولون الإسرائيليّون الكشف عن موقع خوسيه. وأعلن مسؤول دفاعي إسرائيلي كبير فقط أنّه في «مكان آمن».
بعد عملية أجهزة الاستدعاء، اختارت حكومة نتنياهو، بدعم من كبار المسؤولين الدفاعيّين، خوض حرب شاملة، وهي حملة تميّزت بسلسلة من التصعيدات.
في اليوم التالي لتفجير الأجهزة، فجّر الموساد أجهزة اللاسلكي، التي كانت لا تزال في المخازن لأنّ قادة «حزب الله» لم يكونوا قد حشدوا المقاتلين بعد لمعركة ضدّ إسرائيل.
في المجمل، قُتِل العشرات من الأشخاص بسبب انفجارات أجهزة الاستدعاء وأجهزة اللاسلكي، بما في ذلك أطفال، وأصيب الآلاف. وكان معظم الضحايا من عناصر «حزب الله»، ممّا تسبّب في فوضى بين القيادات العليا للجماعة.
وبعد أيام، في 20 أيلول، ضربت الطائرات الإسرائيلية مبنى في بيروت، حيث كان قادة «قوة الرضوان» النخبوية التابعة لـ»حزب الله» يجتمعون في مخبأ، ممّا أسفر عن مقتل العديد منهم، بمَن فيهم إبراهيم عقيل، رئيس العمليات العسكرية لـ»حزب الله».
في 23 أيلول، شنّت القوات الجوية الإسرائيلية حملة كبيرة، استهدفت فيها أكثر من 2000 هدف يخصّ مخازن صواريخ متوسطة وطويلة المدى لـ»حزب الله». لكنّ القرار الأكثر تأثيراً كان لا يزال قائماً: ما إذا كان يجب قتل نصر الله أم لا.
بينما كان المسؤولون الإسرائيليّون الكبار يناقشون الأمر، تلقّت وكالات الاستخبارات معلومات جديدة تفيد بأنّ نصر الله يُخطّط للانتقال إلى مخبأ مختلف سيكون من الصعب استهدافه، وفقاً لمسؤولين دفاعيّين إسرائيليّين ومسؤول غربي.
في 26 أيلول، ومع استعداد نتنياهو للسفر إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتمع رئيس الوزراء مع كبار مستشاريه السياسيّين والاستخباراتيّين والعسكريّين لمناقشة الموافقة على عملية الاغتيال. وكان عليهم أيضاً أن يقرّروا ما إذا كانوا سيُخبرون الأميركيّين مسبقاً.
عارض نتنياهو ومستشاروه الكبار إخطار إدارة بايدن. واعتقدوا أنّ المسؤولين الأميركيّين سيعارضون الضربة، لكنّهم كانوا واثقين من أنّ الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل في حال ردّت إيران. فوافقوا على إبقاء الأميركيّين في الظلام.
وافق نتنياهو على عملية الاغتيال في اليوم التالي، بعد وصوله إلى نيويورك وبضع ساعات فقط قبل أن يَقف على المنصة في الأمم المتحدة.
في خطابه، تحدّث عن القبضة التي يمتلكها «حزب الله» على لبنان. وتوجّه للرؤساء ورؤساء الوزراء المجتمعين بالقول: «لا تدعوا نصر الله يجرّ لبنان إلى الهاوية».
بعد فترة وجيزة، ألقت طائرات F-15 الإسرائيلية فوق بيروت آلاف الأرطال من المتفجّرات.
مارك مازيتشييرا فرانكل ورونين بيرغمان -نيويورك تايمز - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|